فصل: تفسير الآية رقم (16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (16):

{إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16)}
{إِذْ نَادِيَهُ رَبُّهُ بالواد المقدس طُوًى} ظرف للحديث لا للإتيان لاختلاف وقتيهما وجوز كونه مفعول اذكر مقدرًا وتقدم الكلام في الواد المقدس واختلاف القراء في طوى.

.تفسير الآية رقم (17):

{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17)}
{اذهب إلى فِرْعَوْنَ} على إرادة القول والتقدير وقال له أو قائلًا له اذهب إلخ وقيل هو تفسير للنداء أي ناداه اذهب وقيل هو على حذف أن المفسرة يدل عليه قراءة عبد الله أن اذهب لأن في النداء معنى القول وجوز أن يكون بتقدير أن المصدرية قبلها حرف جر {إِنَّهُ طغى} تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به.

.تفسير الآية رقم (18):

{فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18)}
{فَقُلْ} بعد ما أتيته {هَل لَّكَ إلى أَن تزكى} أي هل لك ميل إلى أن تتزكى فلك في موضع الخبر لمبتدأ محذوف وإلى أن تزكى متعلق بذلك المبتدأ المحذوف ونحوه قول الشاعر:
فهل لكم فيها إلي فإنني ** بصير بما أعيا النطاسي حذيما

قد يقال هل لك في كذا فيؤتى بفي ويقدر المبتدأ رغبة ونحوه مما يتعدى بها ومنهم من قدره هنا رغبة لأنها تعدى بها أيضًا وقال أبو البقاء لما كان المعنى أدعوك جيء بإلى ولعله جعل الظرف متعلقًا عنى الكلام أو قدر يدل عليه وتزكى بحذف إحدى التاءين أي تتطهر من دنس الكفر والطغيان وقرأ الحرميان وأبو عمرو بخلاف تزكى بتشديد الزاي وأصله كما أشرنا إليه تتزكى فأدغمت التاء الثانية في الزاي.

.تفسير الآية رقم (19):

{وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)}
{وَأَهْدِيَكَ إلى رَبّكَ} أي ارشدك إلى معرفته عز وجل فتعرفه {فتخشى} إذا الخشية لا تكون إلا بعد معرفته قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: 28] وجعل الخشية غاية للهداية لأنها ملاك الأمر من خشيء الله تعالى أتى منه كل خير ومن أمن اجترأ على كل شر ومنه قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن أبي هريرة من خاف ادلج ومن ادلج بلغ المنزل وفي الاستفهام ما لا يخفى من التلطف في الدعوة والاستنزال عن العتو وهذا ضرب تفصيل لقوله تعالى: {فقولا له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى} [طه: 24] وتقديم التزكية على الهداية لأنها تخلية والفاء في قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (20):

{فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى (20)}
{فَأَرَاهُ الاية الكبرى} فصيحة تفصح عن جمل قد طويت تعويلًا على تفصيلها في موضع آخر كأنه قيل فهذب وكان كيت وكيت فأراه واقتصر الزمخشري في الحواشي على تقدير جملة فقال إن هذا معطوف على محذوف والتقدير فذهب فأراه لأن قوله تعالى: {اذهب} يدل عليه فهو على نحو {اضرب بعصاك الحجر فانبجست} [الأعراف: 160] والآراء إما عنى التبصير أو عنى التعريف فإن اللعين حين أبصرها عرفها وادعاء سحريتها إنما كان إظهارًا للتجلد ونسبتها إليه عليه الصلاة والسلام بالنظر إلى الظاهر كما أن نسبتها إلى نون العظمة في قوله تعالى: {ولقد أريناه آياتنا} [طه: 56] بالنظر إلى الحقيقة والمراد بالآية الكبرى على ما روي عن ابن عباس قلب العصا حية فإنها كانت المقدمة والأصل والأخرى كالتبع لها وعلى ما روي عن مجاهد ذلك واليد البيضاء فإنهما باعتبار الدلالة كالآية الواحدة وقد عبر عنهما بصيغة الجمع في قوله تعالى: {اذهب أنت وأخوك بآياتي} [طه: 24] باعتبار ما في تضاعيفهما من بدائع الأمور التي كل منها آية بينة لقوم يعقلون وجوز أن يراد بها مجموع معجزاته عليه السلام والوحدة باعتبار ما ذكر والفاء لتعقيب أولها أو مجموعها باعتبار أولها وكونها كبرى باعتبار معجزات من قبله من الرسل عليهم السلام أو هو للزيادة المطلقة ولا يخفى بعده ويزيده بعدًا ترتيب حشر السحرة بعد فإنه لم يكن إلا على إراءة تينك الآيتين وإدباره عن العمل قتضاهما وأما ما عداهما من التسع فإنما ظهر على يده عليه السلام بعد ما غلب السحرة على مهل في نحو من عشرين سنة وزعم غلاة الشيعة أن الآية الكبرى علي كرم الله تعالى وجهه أراه إياه متطورة روحه الكريمة بأعظم طور وهو هذيان وراء طور العقل وطور النقل.

.تفسير الآية رقم (21):

{فَكَذَّبَ وَعَصَى (21)}
{وعصى} الله تعالى بالتمرد بعد ما علم صحة الأمر ووجوب الطاعة أشد عصيان وأقبحه حيث اجترأ على إنكار وجود رب العالمين رأسًا وكان اللعين وقومه مأمورين بعبادته عز وجل وترك العظمة التي يدعيها الطاغية ويقبلها منه فئته الباغية لا بإرسال بني إسرائيل من الأسر والقسر فقط وفي جعل متعلق التكذيب موسى عليه السلام ومتعلق العصيان الله عز وجل ما ليس في جعلهما موسى كما قيل فكذب موسى وعصاه من الذم كما لا يخفى.

.تفسير الآية رقم (22):

{ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22)}
{ثُمَّ أَدْبَرَ} تولى عن الطاعة {يسعى} أي ساعيًا مجتهدًا في إبطال أمره عليه السلام ومعارضة الآية وثم لأن إبطال ذلك وقيل أدبر يسعى هاربًا من الثعبان فإنه روى أنه لما ألقى العصا انقلبت ثعبانًا أشعر فاغرًا فاه بين لحييه ثمانون زراعًا فوضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر فهرب فرعون وأحدث وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا من قومه وفي بعض الآثار أنها انقلبت حية وارتفعت في السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة نحو فرعون وجعلت تقول يا موسى مرني بما شئت ويقول فرعون أنشدك بالذي أرسلك إلا أخذته فأخذه فعاد عصى وأنت تعلم أن هذا إن كان بعد حشر السحرة للمعارضة كما هو المشهور فلا تظهر صحة إرادته هاهنا إذا أريد بالحشر بعد حشرهم وإن كان بعد التكذيب والعصيان وقبل الحشر فلا يظهر تراخيه عن الأولين نعم قيل أن ثم عليه للدلالة على استبعاد ادباره مرعوبًا مسرعًا مع زعمه الإلهية وقيل أريد بقوله سبحانه: {ثُمَّ أَدْبَرَ} ثم أقبل من قولهم أقبل يفعل أي أنشأ لكن جعل الإدبار موضع الإقبال تمليحًا وتنبيهًا على أنه كان عليه دمارًا وإدبارًا.

.تفسير الآية رقم (23):

{فَحَشَرَ فَنَادَى (23)}
{فَحَشَرَ} أي فجمع السحرة لقوله تعالى فأرسل فرعون في المدائن حاشرين وقوله سبحانه: {فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى} [طه: 60] أي بما يكاد به من السحرة وآلاتهم وقيل جمع جنوده وجوز أن يراد جمع أهل مملكته {فنادى} في المجمع نفسه أو بواسطة المنادي وأيد الأول بقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (24):

{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)}
{فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الاعلى} وعلى الثاني فيه تقدير أي فقال يقول فرعون أنا ربكم إلخ مع ما في الثاني من التجوز وفي بعض الآثار أنه قام فيهم خطيبًا فقال تلك العظيمة وأراد اللعين تفضيل نفسه على كل من يلي أمورهم.

.تفسير الآية رقم (25):

{فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25)}
{فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الاخرة والاولى} النكال عنى التنكيل كالسلام عنى التسليم وهو التعذيب الذي ينكل من رآه أو سمعه ويمنعه من تعاطي ما يفضي إليه وهو نصب على أنه مصدر مؤكد كـ {وعد الله} [النساء: 122] و{صبغة الله} [البقرة: 138] كأنه قيل نكل الله تعالى به نكال الآخرة والأولى وهو الإحراق في الآخرة والإغراق والإذلال في الدنيا وجوز أن يكون نصبًا على أنه مفعول مطلق لأخذ أي أخذه الله تعالى أخذ نكال الآخرة إلخ وأن يكون مفعولًا له أي أخذه لأجل نكال إلخ وأن يكون نصبًا بنزع الخافض أي أخذه بنكال الآخرة والأولى وإضافته إلى الدارين باعتبار وقوع نفس الأخذ فيهما لا باعتبار أن ما فيه من معنى المنع يكون فيهما فإن ذلك لا يتصور في الآخرة بل في الدنيا فإن العقوبة الأخروية تنكل من سمعها وتمنعه من تعاطي ما يؤدي إليها فيها وأن يكون في تأويل المشتق حالًا وإضافته على معنى في أي منكلًا لمن رآه أو سمع به في الآخرة والأولى وجوز أن تكون الإضافة عليه لامية وحمل الآخرة والأولى على الدارين هو الظاهر وروي عن الحسن وابن زيد وغيرهما وعن ابن عباس وعكرمة والضحاك والشعبي أن الآخرة قولته: أنا ربكم الأعلى والأولى قولته ما علمت لكم من إله غيري وقيل بالعكس فهما كلمتان وكان بينهما على ما قالوا أربعون سنة وقال أبو رزين الأولى حالة كفره وعصيانه والآخرة قولته {أَنَاْ رَبُّكُمُ الاعلى} [النازعات: 24] وعن مجاهد أنهما عبارتان عن أول معاصيه وآخرها أي نكل بالجميع والإضافة على جميع ذلك من إضافة المسبب إلى السبب ومآل من يقول بقبول إيمان فرعون إلى هذه الأقوال وجعل ذلك النكال الإغراق في الدنيا وقد قدمنا الكلام في هذا المقام.

.تفسير الآية رقم (26):

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)}
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي فيما ذكر من قصة فرعون وما فعل وما فعل به {لَعِبْرَةً} عظيمة {لّمَن يخشى} أي لمن شأنه أن يخشى وهو من شأنه المعرفة وهذا إما لأن من كان في خشية لا يحتاج للاعتبار أو ليشمل من يخشى بالفعل وم كان من شأنه ذلك على ما قيل وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (27):

{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27)}
{ءأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} خطاب للمخاطبين في جواب القسم أعني لتبعثن من أهل مكة المنكرين للبعث بناء على صعوبته في زعمهم بطريق التوبيخ والتبكيت بعدما بين كمال سهولته بالنسبة إلى قدرة الله تعالى بقوله سبحانه: {فإنما هي زجرة واحدة} [النازعات: 13] ونصب خلقًا على التمييز وهو محول عن المبتدا أي أخلقكم بعد موتكم أشد أي أشق وأصعب في تقديركم {أَمِ السماء} أي أم خلق السماء على عظمها وانطوائها على تعاجيب البدائع التي تحار العقول عن ملاحظة أدناها وقوله تعالى: {بناها} إلخ بيان وتفصيل لكيفية خلقها المستفاد من قول تعالى أم السماء وفي عدم ذكر الفاعل فيه وفيما عطف من الأفعال من التنبيه على تعيينه وتفخيم شأنه عز وجل ما لا يخفى وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (28):

{رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28)}
{رَفَعَ سَمْكَهَا} بيان للبناء أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض وذهابها إلى سمت العلو مديدًا رفيعًا وجوز أن يفسر السمك بالثخن فالمعنى جعل ثخنها مرتفعًا في جهة العلو ويقال للثخن سمك لما فيه من ارتفاع السطح الأعلى عن السطح الأسفل وإذا لوحظ هذا الامتداد من العلو للسفل قيل له عمق ونظير ذلك الدرج والدرك وقد جاء في الأخبار الصحيحة أن ارتفاع السماء الدنيا عن الأرض خمسمائة عام وارتفاع كل سماء عن سماء وثخن كل كذلك والظاهر تقدير ذلك بالسير المتعارف وأن المراد بالعدد المذكور التحديد دون التكثير ونحن مع الظاهر إلا أن نع عنه مانع {فَسَوَّيهَا} أي جعلها سواء فيما اقتضته الحكمة فلم يخل عز وجل قطعة منها عما تقتضيه الحكمة فيها ومن ذلك تزيينها بالكواكب وقيل تسويتها جعلها ملساء ليس في سطحها انخفاض وارتفاع وقيل جعلها بسيطة متشابهة الأجزاء والشكل فليس بعضها سطحًا بعضها زاوية وبعضها خطًا وهو قول بكريتها الحقيقية وإليه ذهب كثير وقالوا وحكاه الإمام لما ثبت أنها محدثة مفتقرة إلى فاعل مختار فأي ضرر في الدين ينشأ من كونها كرية وقيل تسويتها تتميمها بما يتم به كما لها من الكواكب والمتممات والتداوير وغيرها مما بين في علم الهيئة من قولهم سوى أمره أي أصلحه أو من قولهم استوت الفاكهة إذا نضجت وأنت تعلم أن هذا مع بنائه على اتحاد السموات والأفلاك غير معروف في الصدر الأول من المسلمين لعدم وروده عن صاحب المعراج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم ظهور الدليل عليه والأدلة التي يذكرها أهل الهيئة لتلك الأمور لا يخفى حالها ولذا لم يقل بما تقتضيه مخالفوهم من أهل الهيئة اليوم والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.